مع بديع الزمان النورسي

Publié le par httpslam

كنت جالسا بين يديه، رفقة ثلة من طلاب النور..

كان ذلك سنة 1929، في قرية بارلا التركية. كان الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله يشرح لطلابه المهمة الجسيمة التي تنتظرهم.

يا إخواني في طريق النور!
اعلموا أنكم في زمن الفتنة اللاهب! و أنه لا مخرج لنا اليوم إلا بالاستمداد من نور القرآن المجيد!
دعوا عنكم السياسة و أهلها. فإن العمل في الخدمة القرآنية لهم أنفع لكم و لهم لو كنتم تعلمون!

كان طلابه مطرقين كأن على رؤوسهم الطير. أما أنا فكان لي رأي آخر..

يا أستاذنا الموقر! اعذرني على سوء أدبي تجاهكم، لكنني أخالفكم في توجهكم : فمثلا، أنتم توصوننا باستنساخ رسائل النور. أليس من الأفضل العمل على نشر القرآن؟ لأن هذه الرسائل، على جلالة قدرها، لا تساوى ذرة مقابل القرآن.
ثم أين العلم الشرعي وسط دعوتكم هذه؟؟ لا أرى دروسا في الفقه و لا في الحديث، بل كل حديثكم حول القرآن، القرآن... أخشى أن نتحول إلى قرآنيين زنادقة و نحن لا نشعر!
شيء آخر : أنتم قد تركتم السياسة كلية، و هذا موقف غبي. من الذي سيدفع عنكم الشرور إذا تركتم المجال لأتباع مصطفى كمال؟ ما أرى البلاء الذي نزل عليكم إلا نتيجة لهذا الموقف الجبان.
فستذكرون ما أقول لكم. و أعتزلكم و ما تدعون من دون الله!! وداعا!

وهكذا غادرت حلقة النور، وسط نظرات مشفقة من الأستاذ و طلابه.

و في سنة 1959 : نصر الله دعوة بديع الزمان نصرا مبينا. و كنت آنئذ في الرباط. لكم شعرت بالحسرة! و قلت في قرارة نفسي :  يا طلاب النور، تالله لقد آثركم الله علي! يا لي من شخص كثير الجدل قليل العمل!


و الآن، في سنة 2009، اطلعت على منهج الشيخ فريد الأنصاري. فوجدت الرجل مطلعا أتم الإطلاع على دعوة بديع الزمان. ثم هو قد قام بتطويرها لتلائم حاجة المجتمع المغربي في هذا الزمن.
يوصي الشيخ الأنصاري بالتركيز على مجالس القرآن، و يؤكد جازما أنها السبيل إلى تغيير أحوالنا. ثم هو يؤكد بشكل خاص على نشر سورة الفرقان و التخلق بها.

و أجدني اليوم أتصرف كما تصرفت قبل ثمانين سنة : فلسفة و سفسطة و جدال، لا غير! بدل أن أكون من السابقين في العمل في هذه الخدمة القرآنية، أجدني ألتفت يمنة و يسرة باحثا عن مناهج إصلاحية أخرى. من الواضح أنني لم أفهم الحكمة الكبرى : ليس الشأن أن تعمل أفضل عمل على الإطلاق، و لكن الشأن أن تخلص و تتفانى في عمل ما يرضي الله و رسوله، و إن لم يكن أفضل الأعمال. و هذا ما فعله طلاب النور في تركيا : وجدوا قبسا من نور وسط الظلمات الحالكة فلم يترددوا في اتباعه. ففتح الله على أيديهم فتحا مبينا.
و اليوم أجد دعوة القرآن التي ينادي بها الشيخ الأنصاري. فهل آن الأوان أن أترك سفسطتي جانبا، و أتفرغ لمثل هذا العمل؟ أعتقد أن لا مفر من ذلك.


Publié dans Réflexions

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article
ق
<br /> <br /> فعلاً، كلام عميق جداً وتجربة يا ليتني وكل مسلم يستفيد منها، واني والله أحاول.<br /> وأكثر ما أهاج مشاعري ولامس شغاف قلبي في هذا المقال، الخلاصة التي إنتهى إليها الكاتب في قوله:<br /> <br /> "ليس الشأن أن تعمل أفضل عمل على الإطلاق، و لكن الشأن أن تخلص و تتفانى في عمل ما يرضي الله و رسوله، و إن لم يكن أفضل الأعمال."<br /> <br /> ما أصدقة! فعلاً، كم من المسلمين انجرفوا وراء خدعة الشيطان بترك العمل لله في إنتظار المشاركة في الفتح الكبير ونسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحقرن من المعروف<br /> شيئا..."   <br /> <br /> وفقكم الله لكل بر وأعانكم على كل خير.<br /> <br /> <br /> <br />
Répondre