سلفية بنكهة صوفية

Publié le par httpslam

حدثني بعض أصدقائي قبل سنتين عن زيارة قاموا بها لأحد العلماء المشهورين في المغرب. و كنت من قبل أضع الرجل في خانة المتصوفة الكبار، حتى إذا تحدثوا عن آرائه التي قالها وجدت عندئذ صعوبة في إدماجها في هذه الخانة. فقد كانت النزعة السلفية بادية للمستمع، و هذا ما جعلني أقول كلمة لا أنساها : "الرجل سلفي ذو نكهة صوفية"

مر الزمن. و تابعت المسير في طريقي الروحاني البحت. لكنني لم أشعر قط بأنني على الهدى التام. كنت أحس أن الطريق سليمة، لكنني كنت أتعثر بسرعة و لا أستطيع الاستمرار طويلا في نفس الخط. و لطالما تساءلت : أين الخلل؟ لكني لا أجد الجواب إلا في مزيد من التوغل في الطريق الروحاني و من جهة أخرى. ثم أقع، و أدخل بابا آخر، و هكذا...

صحيح، كنت من حين لآخر أرجع لطريق القرآن. بل و كان طريقي الروحاني في أغلب أحواله مقيدا بنصوص الكتاب و إشاراته. وقد كانت هذه "القرآنية" من بركات توجيهات العالم المذكور. لكن مع ذلك لم أستطع أن أحقق شيئا يذكر. شيئا ما كان ينقصني... حتى...

حتى كانت بعض الأحداث الأخيرة. أو قل حدث واحد. و هو في نظر الكثيرين تافه و عاد، لكنه كان سببا هاما في إيقاظ بصيرتي و تنبيهها إلى أمر بالغ الأهمية : السنة النبوية.

ما حظي من السنة النبوية؟ هل أصلي كما كان يصلي صلى الله عليه و سلم؟ هل خلقي كخلقه؟

الواقع يقول بعكس هذا كله. فخلقي سيء جدا. و سلوكي سلوك شاب عابث. أما صلاتي فصلاة أهل الأهواء...

ثم إن باعي في العلم الشرعي ضعيف. و أغلب قراءاتي هي من قبيل الفكر الإسلامي أو الصوفي. أما كتب الفقه فليست من شأني..

قلت إن حدثا ما نبهني لهذه الحقيقة. و أعتذر لعدم إدراجه لأنه يمس خصوصية الشخص المعني به. ثم إنه بالنسبة إلي صفحة قد طويت بشكل نهائي، و لن تفتح إلا في الجنة إن شاء الله لا حرمنا الله منها.

لكن المقصود منه هو أن بإمكان المتبع للسنة أن يصل إلى منازل إيمانية عالية لا يصلها المتعبد أو الروحاني. بل على التحقيق فلا يمكن الوصول إلى تلك المراتب إلا عبر مدارج الاتباع للهدي النبوي.

كان هذا سببا لأتذكر نصائح المتصوفة الأوائل، كالجنيد و البسطامي و الداراني، و المتأخرين كالنورسي. كيف نبهوا إلى أن أمرهم ذلك مشيد بالكتاب و السنة. وكيف كانوا يركزون على العمل و على الاتباع و يحذرون من العلم المجرد و من اتباع الهوى. ثم كيف كانوا لا يتهاونون مع أدب من آداب النبوة، فكيف بسنة من سننه.

ظهر لي هذا الآن. و أدركت كم أضعت من جهد, و كم بنيت على بحر. ثم تنبهت إلى صدق المقالة السالفة الذكر : "سلفي بنكهة صوفية".  لأن الأصل هو الاتباع، و الغاية هي تزكية النفس. و من عكس الأصل و الغاية فقد ضل السبيل.

نسأل الله أن يهدينا و أن يثبتنا، و أن يرزقنا اكتشاف الثمرات الروحية للآداب النبوية.

ملحوظة : هذا هو المقال رقم 100 في هذه المدونة. و هو يوافق سنتين على تأسيسها و سنة على إعادة صياغتها. و لا أدري، لعلي أكتفي بهذا القدر من الكلام. و لعله يكون آخر عهدي بكم أيها القراء الأوفياء. و على كل حال، فلا تنسونا من دعائكم


و السلام عليكم.

Publié dans Moi!

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article